الانتحار هروبًا

الحياة والموت نقيضان لا يمكن لهما أن يلتقيا، وقد فضل الله سبحانه، وتعالى الحياة على الموت، وخلق الإنسان لحياة أبدية بعد رحلته بهذه الدنيا.

ولكن هناك من تضيق بهم «الحياة» ولا يجدوا أي بصيص أملٍ في جدوى استمرارهم، ويحيط بهم الظلام من كل مكان، وتتصفق وجوههم بالجهات كلها، ولا تصطدم إلا بجدار اليأس.

والناس عادةً لا تستغرب كثيراً عندما يقدم شخص معدم، قطعت به السبل في صحراء الدنيا على الانتحار من أجل وضع حد لحياته البائسة، ولكن، تصيبها الدهشة والصدمة معاً عندما يقدم شخص ما على الانتحار بعد توفر كل فرص الحياة الكريمة له، ويطوف سؤال كبير بسرعة الضوء يغطي الذاكرة؛ لماذا فعل ذلك؟

الانتحار «فعل» ضد الحياة.

وبرأيي الانتحارالانتحار «فعل» ضد الحياة، وليست القضية في توفر الفرص في الحياة أو انعدامها، وإنما هي حالة من اليأس وتشييع الأمل وضيق النفس وحصرها بفعل واحد هو «الموت» خلاصًا.

وانتحار أشهر طباخ فرنسي؛ برنار لوازو، الذي أنهى حياته الأسبوع الماضي برصاصة من بندقيته يدخل ضمن فقدان الأمل واليأس من الحياة بحد ذاتها، وليس هربًا من تعثره المستمر في هذه الدنيا، لأن لوازو رجلُ أعمالٍ ومؤلفٌ وطباخٌ ومبدعٌ وناجحٌ، فهو الطباخ الوحيد الذي تتنافس أسهم شركته في البورصة.

وقد عرف النجاح شيئا فشيئا، وتذوق طعمه اللذيذ مع أنه بدأ حياته فقيرًا وعاملًا في مطعمٍ في أواخر الستينيات إلى أن استطاع أن يؤسس له مطعمًا خاصًا، ثم توالت نجاحاته بسلسلة من المطاعم وفندق، وتُرجِمَت كُتُبُهُ إلى معظم اللغات العالمية، ولم يكن يعاني مصاعب مالية، أو فشل في أعماله، ولكنه انتحر خوفاً من الحياة.

وكل إنسان تراوده لحظة ما في التخلص من حياته ظنًا منه أن الموتَ سيعطيهِ الراحةَ والخلاص، ولكن، لو أن كل من انتحر أعطى نفسه فسحة من الوقت -ولو لبضع دقائق- لوجد أن الانتحار فكرة سخيفة، وأن الأمل دائمًا موجودٌ في رحم اليأس، وأن غدًا هو الحياة، ولكنها لحظات الجنون والضعف والهزيمة التي قادت المنتحر إلى قتل روحه، وتلك التي قادت همنغواي وفرجينيا وولف وغيرهما إلى الانتحار مع النجاح في الحياة.

  • نقطة:

في بحارك، ليس هناك غرق،

وفي شمسك يهطل المطر.