هل الإنسان خير… أم مخلوق مروض بالصدفة؟
الإنسان ليس كائنًا أخلاقيًا، بل مشروع عنف مؤجل. منذ أن وقعت أول جريمة على هذه الأرض، لم يكن هناك نقص في الطعام ولا خصام على الماء، بل حضور فاضح لغريزة السيطرة وانعدام المعنى. لم يقتل قابيل أخاه لحاجة، بل لأنه كان يرى في وجوده تهديدًا لمكانته. ومنذ ذاك، يبدأ تاريخ العنف، لا من الجوع، بل من الملل.
كل ما نعتبره “قيمًا إنسانية” هو جهد مضنٍ لتجميل الوحش الذي يسكننا، ويحرضنا على العنف. في قلب كل إنسان مجرم نائم، لا يوقظه الجوع، بل القدرة. متى ما زالت القيود وتراجعت الدولة، عاد الوحش وارتدى ثوبًا قبليًا أو دينيًا أو وطنيًا، ثم قتل باسمه. كما كتب فوكو: “السلطة لا تُمارَس بقدر ما تُنتج. إنها تصنع الجسد، السلوك، الحقيقة”.
ما يحدث في السويداء أو غـــــ. ـزة أو السودان والعراق، ليس شذوذًا، أو في أي مكان في العالم، بل استدعاء لغريزة لم تمت قط، بل نُظمت.
الدولة، مهما كانت قاسية، لم توجد لكبح الجريمة، بل لاحتكارها. من آشور إلى أمريكا، لم تكن القوانين ردعًا، بل ترخيصًا للقتل وفق مصلحة السلطة. الجريمة تغيرت فقط في شكلها، من سكين فرد إلى آلة دولة. العدالة في هذا العالم ليست مبدأ، بل لغة الأقوياء لإعادة توزيع الألم. وهو ما تفطن له نيتشه: “من يقاتل الوحوش، عليه أن يحذر ألا يتحول هو نفسه إلى وحش”.
في نهاية المطاف، لا جواب نهائي: الإنسان ليس خيرًا ولا شريرًا، بل كائنٌ يستطيع تبرير أي شيء إذا اقتنع أنه “يستحق”. وهنا… تبدأ الوحشية بضمير مرتاح. وهذا هو أخطر ما فيه.